لماذا يرتدي المحامين الرداء الاسود؟

قد يتسائل البعض لماذا زي المحامين لونه اسود؟ وهل له علاقة بمهنتهم ؟ 

في الحقيقة لا توجد إجابة مؤكد بهذا الخصوص ولكن لو بحثنا في كتب التاريخ الفرنسي لوجدنا روايات وقصص متشعبة ، فنجد مثلاً من تحدث عن الاحداث التي حلت بالعالم وما صاحبها من ويلات ونكبات واصبح الظلم مقترن بالسواد لما يحمله هذا اللون من فقدان للحيوية ومرارة العيش ، ولعل الرواية الاشهر والتي تعود إلى عام 1791 وبالتحديد في فرنسا أن أحد القضاه الفرنسيين كان جالسا في شرفة منزله يستنشق الهواء وبالصدفة شاهد مشاجرة بين شخصين انتهت بقتل أحدهما وهرب الشخص القاتل فأسرع أحد الأشخاص إلى مكان الجريمه وأخذ القتيل وذهب به إلى المستشفى لإسعافه ولكنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيره ومات فاتهمت الشرطة الشخص المنقذ وكان بريئا من هذه التهمة وللأسف فقد كان القاضي هو الذي سيحكم في القضية.




وحيث أن القانون الفرنسي لا يعترف إلا بالدلائل والقرائن . فقد حكم القاضي على الشخص البرئ بالإعدام،على الرغم أن القاضي نفسه هو شاهد على الجريمة التي وقعت أمام منزله وبمرور الأيام ظل القاضي يؤنب نفسه المعذبة بهذا الخطأ الفادح ولكي يرتاح من عذاب الضمير . إعترف أمام الرأي العام بأنه أخطأ في هذه القضية وحكم على شخص برئ بالإعدام فثار الرأي العام ضده واتهمه بأنه ليس عنده أمانة ولا ضمير.


وذات يوم أثناء النظر في إحدى القضايا وكان هذا القاضي هو نفسه رئيس المحكمة فوجد المحامي الذي وقف أمامه لكي يترافع في القضية مرتديا رداءا اسود فسأله القاضي : لماذا ترتدي هذا الرداء الأسود؟فقال له المحامي : لكي أذكرك بما فعلته من قبل وحكمت ظلما على شخص برئ بالإعدام ومنذ تلك الواقعة وأصبح الرداء الأسود هو الزي الرسمي في مهنة المحاماه ومن فرنسا إنتقل إلى سائر الدول.

العـدل نظام الدنيا


إن العدل هو ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق


 فهو إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به، ولا صلاح فيها إلا معه.
والعدل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، به تعمر البلاد وتنمو الأموال، ومعه يكبر النسل، ويأمن السلطان. ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم تكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدلٍ لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة".


وقال: " إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال ، والظلم محرم لا يباح بحال."ولما كان العدل بهذه المكانة السامية والمنزلة العالية والمكانة الرفيعة، رأينا الشريعة المطهرة تأمر به وتعلي من شأنه وتحث عليه.




قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)[النساء:135]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].

ونجد هنا أمرًا من الله تعالى للمؤمنين أن يكون العدل خلقًا من أخلاقهم، وسجية من سجاياهم؛ وذلك لأن صيغة (قوَّام) هي صيغة مبالغة، تدل على أن العدل من الأخلاق المتمكنة فيه، وفي نصٍ كُلِّي جامع يقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) 




**بعض المجالات التي يدخل فيها العدل:***


إننا مطالبون بالعدل في كل شيء، لكننا نشير هنا إلى بعض مجالات العدل، ومنها:
**( أ ) الولاية على الناس***: فيجب أن نتبع فيها قواعد العدل، ومن العدل فيها: إعطاء المستحقين ومنع غيرهم، وإتاحة الفرص لجميع الأفراد بحسب كفاياتهم.

ومن العدل فيها: إسناد الأعمال إلى أهلها القادرين على القيام بها.
ولهذا كان من الذين يظلهم الله في ظله: "إمامٌ عادل".

(**ب) القضاء***: ويكون بالفصل بين الخصماء على أساس العدل لا على المحاباة، والتسوية بين الخصوم في مجلس القضاء، وإقامة الحدود والجزاءات والقصاص.

يقول الله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء:58].


وقال الرسول الله r: "إذا حكمتم فاعدلوا..".ويقول صلى الله عليه وسلم: " القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار،فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم ، فهو في النار..."**(ج) الشهادة***: ويكون العدل فيها بأن يشهد بما رأى أو سمع فإن شهد بما يخالف ذلك فهو شاهد زور: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا..) [الأنعام:152].

وقال الله : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان:72)


**(د) معاملة الزوجات***: بأن يعطي كلاً منهنَّ نصيبها من النفقة والسكن والمبيت، وقد حذر النبي صَلى الله عليه وسلم من ترك العدل بين الزوجات: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهنَّ جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل".**(هـ) معاملة الأولاد***: وذلك بأن يسوي بينهم في العطية والتربية، وغير ذلك مما يملكه الإنسان. قال صَلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".
إن هذه المجالات التي سبق الإشارة إليها ليست إلا نماذج وأمثلة لما يكون فيه العدل، وإلا فإن المسلم مطالب بالعدل في أموره كلها، بل إنه مطالب بالعدل حتى مع أعدائه: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى:15].


وحين أرسل النبي صَلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، أرادوا رشوته، فقال: " والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض".


إننا كمسلمين حين نلتزم بالعدل خلقًا وسلوكًا ومنهج حياة، فإننا نشيع الأمن والطمأنينة، ونعمل على رفاهية مجتمعاتنا.
كما إننا بالعدل نبين للآخرين عظمة الإسلام وسموه، فيرغبون في التعرف على هذا الدين والدخول فيه، كما حدث مع السابقين، فاللهم ارزقنا العدل في الرضا والغضب.


"بتصرف"